إنها مذبحة. إنها فشل في التكنولوجيا المعاصرة المتقدمة أدت إلى مقتل آلاف الدواجن في مزارع التربية الصناعية للدجاج في بريطانيا التي تعتبر من الدول الأكثر تقدماً في ذلك المجال. وعلى الرغم من كل قدراتها العلمية والتقنية، لم تستطع مزارع التدجين الصناعي البريطانية حماية ملايين الدجاج من ضربة الحرارة غير المسبوقة التي تعانيها المملكة البريطانية ومعظم أوروبا حاضراً.
ولعل الخبر عن مذبحة الدواجن البريطانية، وقد وضعت “اندبندنت” مصطلح المذبحة في بداية عنوان تغطيتها عن تلك الواقعة، يقدم التعبير الأكثر كثافة عن وقائع الضربة المزدوجة لأزمتي المناخ والغذاء، وقد نقلته صحيفة “اندبندنت” على موقعها ضمن تغطية حصرية، فكأنها ترفع الصوت تحذيراً وتنبيهاً. والأرجح أن لا وقت أكثر ملاءمة من الآن لرفع الصوت عن أزمتي المناخ وهما اللتان تهزان العيش اليومي بقوة حاضراً، خصوصاً أنهما تتداخلان مع أزمتي الطاقة والتضخم.
ووفق “اندبندنت”، عانت ملايين الدواجن الحبيسة تحت أغطية مزارع الدواجن من حرارة قائظة وصلت إلى 45 درجة مئوية، ثم نفق أعداد مليونية منها ببطء وألم تحت تأثير الإنهاك الحراري الذي عانته أجسامها. ولفتت الصحيفة نفسها إلى أن كبار أصحاب مزارع الدواجن لم يبذلوا إلا أقل الجهد، وأحياناً لم يحركوا ساكناً، لتخفيف وطأة الحرارة الخانقة على دواجن المزارع الصناعية. وأشارت الصحيفة إلى أنها استقت معلوماتها من موظفين يعملون في تلك المزارع شددوا على ضرورة عدم ذكر أسمائهم، بسبب خشيتهم من فقدان وظائفهم ومصدر عيشهم.
كذلك أشارت “اندبندنت” إلى أن وزارة “البيئة والطعام والشؤون الريفية” (تعرف باسمها المختصر “دفرا” Defra) التي تتولى تمارا فنكلشتاين منصب السكرتيرة الدائمة فيها وتعمل تحت إدارة الوزير جورج أوستايس، أبدت “قلقها العميق” من تلك الواقعة معتبرة أن الأعداد الهائلة من الدواجن النافقة تكفي لإطلاق تحقيق رسمي عنها.
ووفق شهود أبقوا أسماءهم مكتومة، وصلت الحرارة في بعض المزارع إلى حد أن الدجاجات كانت تخفق بأجنحتها وتلهث بشدة أثناء نفوقها. وكذلك أصيبت أعداد كبيرة منها بالإسهال جراء الحرارة الفائقة. وقد أدى تراكم فضلاتها السائلة إلى زيادة الحرارة تحت أغطية مزارع التدجين الصناعي.
وأعرب أحد العاملين في تلك المزارع عن قناعته، أثناء حديث مع “اندبندنت”، بأن تركت في قبضة الحرارة إلى أن نفقت. ثم شطبت باعتبارها خسائر، من دون بذل أي مجهود لتحسين التهوئة في تلك المزرعة.
وعلى نحوٍ مماثل، وصف موظف آخر يعمل في مزرعة تدجين كبرى، غير تلك التي وُصِفَتْ في الشهادة السابقة، الإجراءات السارية هناك بأنها “مذبحة”، مشيراً إلى أن أصحاب المزرعة كان بمقدورهم اتخاذ خطوات أخرى في تحسين ظروف عيش تلك الدواجن، بدل تركها تموت تحت ضربة موجة حرارة قائظة غير مألوفة.
Follow Us: